إلغاء اجتماع الرباعية: الحقيقة و المؤشرات و لا داعي للإحباط... ولكن!
مدخل:
أثار خبر إلغاء اجتماع الرباعية المرتقب بشأن الأزمة السودانية كثيرًا من الجدل والاستفهام في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة مع الآمال الكبيرة التي عُقدت عليه كمنصة لإعادة الروح للمساعي الإقليمية والدولية لإيقاف الحرب الدامية في السودان.
هذا المقال أصله كتبته الأستاذة رشا عوض، و تم إعادة صياغته من قبل المنظومة اونلاين.
لكن – برموش الحكمة – نقول:
لا داعي للإحباط، فالإلغاء ليس نهاية الطريق، بل قد يكون تمهيدًا لصياغة مقاربة جديدة أكثر جدية ووضوحًا.
غياب المعلومات الرسمية... وقراءة في الخلفيات:
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لا توجد معلومات مؤكدة ومعلنة حول الأسباب المباشرة لإلغاء الاجتماع. غير أن المتابع للمشهد يدرك أن الفكرة الأصلية للاجتماع كانت تهدف إلى خلق صيغة توافقية بين دول الإقليم ذات التأثير في الملف السوداني.
لكن هذه الدول، كما يعلم الجميع، لا تتفق في مصالحها ورؤاها، بل إن تباين المصالح وتعقيدات الصراع الإقليمي قد يكون السبب الحقيقي وراء الإلغاء.
> هل وصلت الولايات المتحدة إلى قناعة بأن فشل الاجتماع بات حتميًا؟
تمترس كل دولة خلف رؤيتها ربما أجهض فرص التوافق.
الولايات المتحدة... صراع داخلي أم بلورة لموقف صلب؟
الولايات المتحدة تمتلك من النفوذ الدبلوماسي ما يمكنها من فرض رؤيتها، لو أرادت. ولكن يبدو أن هناك اختلافًا داخل الإدارة الأمريكية ذاتها بشأن كيفية التعامل مع ملف السودان، وخاصة حول قانون سلام السودان المعروض حاليًا أمام الكونغرس.
هذا القانون، في حال إجازته، سيشكل تحولًا نوعيًا في الدور الأمريكي، إذ سيتجاوز منطق ضبط التناقضات الإقليمية إلى فرض السلام بالقوة تحت مظلة القانون الدولي.
لكن... هل أمريكا مستعدة لتحمل تكلفة تطبيقه؟
برموش السؤال الحاد:
هل تمثل الحرب في السودان أولوية فعلية للإدارة الأمريكية تستحق المجازفة السياسية والمالية؟
الفصل السابع والفيتو الروسي... عقبات أمام السلام بالقوة
لإنفاذ قانون سلام السودان، يتوجب على مجلس الأمن إصدار قرار تحت الفصل السابع، وهذا بدوره يفتح الباب أمام اصطدام محتمل مع الفيتو الروسي، الذي أفشل من قبل قرارات أقل حدة بشأن السودان.
وبالتالي، فإن السؤال الحقيقي:
هل تملك واشنطن الإرادة للتحرك بشكل أحادي أو شبه أحادي؟
وهل ترغب فعلًا في كسر حلقة الفشل التي طالت مؤتمرات سابقة مثل جدة والمنامة وجنيف ولندن؟
ما وراء الإحباط... وجع الوطن لا يُنسى
قد يشعر البعض بالإحباط جراء هذا الإلغاء، ولكن الألم الحقيقي أعمق من مجرد فشل دبلوماسي. إنه وجع الهوان الوطني الذي جعل من مصير البلاد ورقة تفاوض إقليمية.
الأطراف السودانية المتنازعة أثبتت أنها دون مستوى النضج الوطني، وغير قادرة على وقف الحرب، مما يستدعي تدخل "أولياء الأمور" الإقليميين والدوليين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
> الحزن ليس على فشل الرباعية، بل على أننا صرنا نبحث عن السلام وراء البحار، لا في قلب الخرطوم.
السلام في الخارج... والعجز في الداخل:
لا أحد يرفض المساعي الدولية، بل إن البعض يرى فيها خشبة الخلاص الأخيرة. ولكن، كم هو مؤلم أن تكون العصا الغليظة الخارجية هي الوسيلة الوحيدة لإيقاف نزيف الدم السوداني.
برموش الحسرة:
كم هو محبط أن ننتظر الحل من الخارج بينما شعبنا يحترق بالجوع والمذلة والنزوح.
فشل الرباعية... استمرار لسلسلة إخفاقات سابقة
من جدة إلى المنامة، ومن جنيف إلى لندن، لم تثمر كل الجهود الدولية السابقة في تحريك عجلة السلام داخل السودان. واليوم، يأتي إلغاء اجتماع الرباعية كحلقة جديدة في سلسلة الإخفاقات الدبلوماسية.
> إن كان هناك إحباط، بل حزن موجع، فيجب أن يكون بسبب حالة الهوان الوطني التي نحن فيها منذ اندلاع هذه الحرب القذرة.
المرير أن كل أطراف الحرب قُصّر، دون سن الرشد الوطني بكثير، ولذلك لا بد لهم من أولياء أمور يجتمعون لإيقاف حربهم!
قلوبنا الخفاقة للسلام... تبحث عن صدى خلف البحار
نعم، نحب السلام ونتوق له، ولكن قلوبنا الخفاقة للسلام لم تجد من يصغي لها في الداخل.
نبحث عن حلول من الخارج لأن الداخل عاجز أو غير راغب في إنهاء المأساة.
> الحزن العميق ليس في فشل اجتماع الرباعية، بل في أننا بتنا ننتظر الحل من الأمم المتحدة وواشنطن بدل أن يأتي من الخرطوم وكادوقلي ونيالا والفاشر!
هل تدفع أمريكا كلفة السلام السوداني؟
القانون الأمريكي المقترح لا يمكن تطبيقه فعليًا دون تدخل دولي واسع النطاق.
وهذا يعني قوات، وتمويل، وقرارات، ومواجهة محتملة مع أطراف دولية كبرى.
هل السودان يستحق هذا من وجهة نظر واشنطن؟
ربما، وربما لا.
لكننا نعلم علم اليقين أن المصالح الأمريكية هي ما تحدد الأولويات، لا القيم ولا المآسي.
برموش الواقعية:
لن تدفع أمريكا ثمن السلام السوداني ما لم تجد مصلحة واضحة في فعل ذلك.
هل من بصيص أمل؟
رغم كل هذا الظلام السياسي والدبلوماسي، لا يزال الأمل ممكنًا، لكنه مرهون بإرادة الداخل.
السلام الحقيقي لا يُمنح، بل يُنتزع.
ولا أحد سيوقف هذه الحرب القذرة إن لم نوقفها نحن، بوعينا، وبوحدتنا، وبإرادتنا الجماعية.
> إن لم يتحرك الداخل، سيبقى السودان رهينة اجتماعات تُلغى، وأخرى تفشل... ودماء تنزف في صمت.
خاتمة: لا بديل عن إرادة الداخل
يبقى السؤال الكبير معلقًا:
متى يستفيق الفرقاء السودانيون؟
متى يتوقفون عن انتظار العصا الدولية ويبدؤون مشروع المصالحة الحقيقية؟
متى نستعيد سيادتنا من أيدي الوسطاء؟
نحن بحاجة إلى ما هو أكثر من قوانين دولية ومؤتمرات فخمة، نحتاج إلى وطن، وشعب حي، ونخبة واعية.
برموش الأمل:
رغم الألم، لا يزال في القلب نبض يبحث عن السلام..
ولن تنكسر إرادة الشعب السوداني طالما هناك كلمة تكتب، وصرخة تطلق، وروح تقاوم.
AO
المنظومة أونلاين
Almnzoma Online - Official Seal
Almnzoma Online - Official Seal
التوقيت الحالي:
توقيع رسمي
يمكنك امتلاك هذا المنتج الرقمي من المنظومة أونلاين ختم رقمي يعبر بشكل رسمي و معتمد

