🔵 الوساطة العربية في السودان: مسارات متعددة:
محاولة لاحتواء الأزمة عبر الدبلوماسية:
تشهد الأزمة السودانية منذ اندلاع الحرب تحديات جسيمة دفعت القوى الإقليمية والعربية إلى تكثيف جهود الوساطة، خاصةً من السعودية ومصر وقطر وتركيا. تنطلق هذه المسارات من إدراك عميق بأن استمرار النزاع لا يهدد السودان وحده، بل ينعكس سلباً على أمن البحر الأحمر، والاستقرار الإقليمي، وتدفقات اللاجئين نحو دول الجوار. في هذا السياق، جاءت المبادرات العربية لتشكل محطات متباينة، لكنها تلتقي عند هدف واحد: دفع الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار والعودة للحوار السياسي.
🇸🇦 الدور السعودي: قيادة عبر منصة جدة:
منبر للحوار ومحاولة لبناء الثقة:
منذ مايو 2023 لعبت المملكة العربية السعودية دوراً محورياً من خلال منصة جدة التي جمعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على طاولة تفاوض مشتركة. ورغم أن جولات التفاوض تعثرت أكثر من مرة بسبب غياب الالتزام العملي، إلا أن الدور السعودي ظل أساسياً في إبقاء ملف السودان حاضراً في أولويات المجتمع الدولي. في سبتمبر 2025، كثفت الرياض اتصالاتها مع واشنطن والاتحاد الأفريقي لإحياء المفاوضات من جديد، مؤكدة أن أمن السودان جزء لا يتجزأ من أمن الإقليم.
🇪🇬 مصر: رؤية أمنية وجغرافية:
حماية الحدود وموازنة القوى:
تعتبر مصر أكثر الدول العربية تأثراً بما يجري في السودان، بحكم الجوار المباشر والارتباط التاريخي. في سبتمبر 2025 استضافت القاهرة وفوداً سياسية سودانية في محاولة لرسم مسار بديل لمباحثات جدة، مع التركيز على وحدة الجيش السوداني كضامن للاستقرار.
يرى المراقبون أن القاهرة تتعامل مع الملف من زاوية أمنية أولاً، إذ يشكل النزاع خطراً على أمنها القومي، خاصة في ظل تدفق اللاجئين إلى صعيد مصر، وتنامي نشاط الجماعات العابرة للحدود.
🇶🇦 قطر: مرونة مالية ودبلوماسية:
استثمار في الحلول طويلة الأمد:
برز الدور القطري بشكل متزايد خلال الأشهر الأخيرة، حيث تحركت الدوحة بدبلوماسية هادئة لتقريب وجهات النظر بين القوى الإقليمية المتباينة، خصوصاً السعودية ومصر وتركيا.
كما عرضت قطر مبادرات لدعم إعادة الإعمار وتمويل مشاريع إنسانية عاجلة، ما جعلها تحظى بقبول نسبي من الأطراف السودانية. في سبتمبر 2025، أعلنت قطر عن نيتها استضافة مؤتمر للمانحين بشأن السودان، في خطوة تسعى من خلالها لربط المسار السياسي بالدعم الاقتصادي.
🇹🇷 تركيا: موازنة بين النفوذ والدور: العسكري
من الاستثمارات إلى ملفات الأمن:
تحتفظ تركيا بعلاقات اقتصادية وعسكرية مع السودان منذ سنوات، وقد سعت في الأزمة الحالية إلى لعب دور وسيط يحافظ على توازن مصالحها مع جميع الأطراف.
في سبتمبر 2025 كثفت أنقرة اتصالاتها مع قطر والسعودية لتشكيل مسار وساطة مشترك، وأبدت استعدادها لتقديم دعم لوجستي للعمليات الإنسانية في دارفور والخرطوم. ومع ذلك، تبقى نظرة بعض الأطراف السودانية متحفظة تجاه الدور التركي بسبب ارتباطه السابق ببعض الفصائل.
🤝 التنافس الإقليمي: عقبة أم فرصة؟
بين تضارب المصالح وتلاقي الضرورات:
رغم التباينات الواضحة بين الدول العربية والإقليمية المنخرطة في الملف السوداني، إلا أن ثمة إدراكاً متنامياً بأن غياب التنسيق سيجعل الأزمة أكثر تعقيداً. فالتنافس بين مصر وتركيا مثلاً يحد من فرص بناء مسار مشترك، بينما يسعى التناغم السعودي-القطري لخلق مساحة للحوار. وفي سبتمبر 2025 بدت ملامح حراك جديد يجمع هذه القوى ضمن إطار "تفاهم عربي – إقليمي" قد يكون بمثابة منصة موحدة لدفع العملية السياسية.
🌍 مستقبل السودان بين المبادرات والواقع:
إلى أين تتجه الأزمة؟
يبقى مستقبل السودان رهيناً بمدى قدرة الأطراف العربية والإقليمية على تجاوز تناقضاتها وفرض وقف إطلاق نار دائم. فالمبادرات وحدها لن تنجح ما لم تلتزم الأطراف السودانية نفسها بالمسؤولية الوطنية. في سبتمبر 2025، ومع تصاعد الضغوط الدولية، برزت دعوات لتشكيل حكومة انتقالية مدعومة عربياً تضمن وحدة المؤسسات، وتفتح الطريق أمام انتخابات حرة. وهنا يظل الرهان على تكامل أدوار السعودية ومصر وقطر وتركيا في خلق بيئة سياسية جديدة تعيد للسودان استقراره ومكانته الإقليمية.
